الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ***
[قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَلْبُونٍ الشَّيْخُ الصَّالِحُ فِيمَا أَجَازَ فِيهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الطَّلَمَنْكِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُهَنْدِسِ ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْأَخْنَسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ ، وَكَانَ صَدُوقًا عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِهِ، فَدَنَا مِنْهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، أَيْنَ تُرِيدُ؟» قَالَ: إِلَى أَهْلِي. قَالَ: «هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟» قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ» قَالَ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «هَذِهِ الشَّجَرَةُ السَّمُرَةُ،» وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا وَعَنْ بُرَيْدَةَ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِتِلْكَ الشَّجَرَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكِ». قَالَ: فَمَالَتِ الشَّجَرَةُ عَنْ يَمِينِهَا، وَشِمَالِهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهَا، وَخَلْفَهَا، فَتَقَطَّعَتْ عُرُوقُهَا، ثُمَّ جَاءَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ تَجُرُّ عُرُوقَهَا مُغْبَرَّةً حَتَّى، وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَنْبَتِهَا، فَرَجَعَتْ، فَدَلَّتْ عُرُوقَهَا فَاسْتَوَتْ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: ائْذَنْ لِي أَسْجُدْ لَكَ. قَالَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا». قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ يَدَيْكَ، وَرِجْلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلِ: ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، فَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ فِي شَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ: «انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ». وَذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصِفِ بَيْنَهُمَا قَالَ: «الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالْتَأَمَتَا». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، قُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا» فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا، فَخَرَجْتُ أَحْضِرُ، وَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، وَالشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقْفَةً، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينًا، وَشِمَالًا. وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ نَحْوَهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ: «هَلْ تَعْنِي مَكَانًا لِحَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقُلْتُ: إِنَّ الْوَادِيَ مَا فِيهِ مَوْضِعٌ بِالنَّاسِ. فَقَالَ: «هَلْ تَرَى مِنْ نَخْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ؟» قُلْتُ: أَرَى نَخَلَاتٍ مُتَقَارِبَاتٍ. قَالَ: «انْطَلِقْ، وَقُلْ لَهُنَّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَأْتِينَ لِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْ لِلْحِجَارَةِ مِثْلَ ذَلِكَ». فَقُلْتُ ذَلِكَ لَهُنَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخَلَاتِ يَتَقَارَبْنَ حَتَّى اجْتَمَعْنَ، وَالْحِجَارَةَ يَتَعَاقَدْنَ حَتَّى صِرْنَ رُكَامًا خَلْفَهُنَّ. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ لِي: «قُلْ لَهُنَّ يَفْتَرِقْنَ،» فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَرَأَيْتُهُنَّ، وَالْحِجَارَةَ يَفْتَرِقْنَ حَتَّى عُدْنَ إِلَى مَوَاضِعِهِنَّ. وَقَالَ يَعْلَى بْنُ سَبَّابَةَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ... وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَذَكَرَ: فَأَمَرَ، وَدِيَّتَيْنِ فَانْضَمَّتَا. وَفِي رِوَايَةٍ: أَشَاءَتَيْنِ. وَعَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ مِثْلُهُ: فِي شَجَرَتَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي غَزَاةِ حُنَيْنٍ. » وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبَّابَةَ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ رَآهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَنَّ طَلْحَةَ أَوْ سَمُرَةَ جَاءَتْ فَأَطَافَتْ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا اسْتَأْذَنَتْ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيَّ». وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: آذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا لَهُ شَجَرَةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْجِنَّ قَالُوا: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ قَالَ: «هَذِهِ الشَّجَرَةُ.- تَعَالِي- يَا شَجَرَةُ،» فَجَاءَتْ تَجُرُّ عُرُوقَهَا لَهَا قَعَاقِعُ.. وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ : فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ، وَبُرَيْدَةُ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَيَعْلَى بْنُ مُرَّةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُهُمْ، قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا أَوْ مَعْنَاهَا. وَقَدْ رَوَاهَا عَنْهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ أَضْعَافُهُمْ، فَصَارَتْ فِي انْتِشَارِهَا مِنَ الْقُوَّةِ حَيْثُ هِيَ. وَذَكَرَ ابْنُ فَوْرَكٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ لَيْلًا وَهُوَ وَسِنٌ، فَاعْتَرَضَتْهُ سِدْرَةٌ، فَانْفَرَجَتْ لَهُ نِصْفَيْنِ حَتَّى جَازَ بَيْنَهُمَا، وَبَقِيَتْ عَلَى سَاقَيْنِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا وَهِيَ هُنَاكَ مَعْرُوفَةٌ مُعَظَّمَةٌ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَآهُ حَزِينًا: أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي، فَقَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَجَاءَتْ تَمْشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ، فَعَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا. وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا جِبْرِيلَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا» فَدَعَا شَجَرَةً... وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَحُزْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكْذِيبِ قَوْمِهِ، وَطَلَبُهُ الْآيَةَ لَهُمْ لَا لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى رُكَانَةَ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي شَجَرَةٍ دَعَاهَا فَأَتَتْ حَتَّى، وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعِي، فَرَجَعَتْ». وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَا إِلَى رَبِّهِ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَنَّهُمْ يُخَوِّفُونَهُ، وَسَأَلَهُ آيَةً يَعْلَمُ بِهَا أَلَّا مَخَافَةَ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ ائْتِ وَادِيَ كَذَا فِيهِ شَجَرَةٌ، فَادْعُ غُصْنًا مِنْهَا يَأْتِكَ. فَفَعَلَ، فَجَاءَ يَخُطُّ الْأَرْضَ خَطًّا حَتَّى انْتَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَبَسَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ كَمَا جِئْتَ فَرَجَعَ»، فَقَالَ: «يَا رَبِّ، عَلِمْتُ أَنْ لَا مَخَافَةَ عَلَيَّ». وَنَحْوٌ مِنْهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ فِيهِ: «أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا..». وَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ: «أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَاهُ فَجَعَلَ يَنْقِرُ حَتَّى أَتَاهُ. فَقَالَ: «ارْجِعْ فَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ» وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَيُعَضِّدُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ حَدِيثُ أَنِينِ الْجِذْعِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَشْهُورٌ مُنْتَشِرٌ، وَالْخَبَرُ بِهِ مُتَوَاتِرٌ، قَدْ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ ، وَرَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ، مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَبُرَيْدَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعِ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ. وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ: حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِخُوَارِهِ. وَفِي رِوَايَةِ سَهْلٍ: وَكَثُرَ بُكَاءُ النَّاسِ لِمَا رَأَوْا بِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ، وَأُبَيٍّ: حَتَّى تَصَدَّعَ، وَانْشَقَّ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَتَ. زَادَ غَيْرُهُ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ». وَزَادَ غَيْرُهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمْ يَزَلْ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. تَحَزُّنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ. كَذَا فِي حَدِيثِ الْمُطَّلِبِ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سَهْلٍ: فَدُفِنَتْ تَحْتَ مِنْبَرِهِ، أَوْ جُعِلَتْ فِي السَّقْفِ. وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ: فَكَانَ إِذَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَيْهِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَهُ أُبَيٌّ، فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ أَكَلَتْهُ الْأَرْضُ، وَعَادَ رُفَاتًا. وَذَكَرَ الْإِسْفَرَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَجَاءَ يَخْرِقُ الْأَرْضَ، فَالْتَزَمَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ. وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ : فَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ شِئْتَ أَرُدُّكَ إِلَى الْحَائِطِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ تَنْبُتُ لَكَ عُرُوقُكَ، وَيُكْمَلُ خَلْقُكَ، وَيُجَدَّدُ لَكَ خُوصٌ، وَثَمَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَغَرِسُكَ فِي الْجَنَّةِ، فَيَأْكُلُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِنْ ثَمَرِكَ». ثُمَّ أَصْغَى لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ. فَقَالَ: تَغْرِسُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَيَأْكُلُ مِنِّي أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَكُونُ فِي مَكَانٍ لَا أَبْلَى فِيهِ. فَسَمِعَهُ مَنْ يَلِيهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ فَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: «اخْتَارَ دَارَ الْبَقَاءِ عَلَى دَارِ الْفَنَاءِ». فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا بَكَى، وَقَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ. رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ، وَأَيْمَنُ، وَأَبُو نَضْرَةَ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي كَرْبٍ، وَكُرَيْبٌ، وَأَبُو صَالِحٍ. وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْحَسَنُ، وَثَابِتٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ . وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: نَافِعٌ، وَأَبُو حَيَّةَ، وَرَوَاهُ أَبُو نَضْرَةَ، وَأَبُو الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو حَازِمٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ : وَفَّقَهُ اللَّهُ فَهَذَا حَدِيثٌ كَمَا تَرَاهُ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصِّحَّةِ،، وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ضِعْفُهُمْ إِلَى مَنْ لَمْ نَذَكُرْهُ، وَبِدُونِ هَذَا الْعَدَدِ يَقَعُ الْعِلْمُ لِمَنِ اعْتَنَى بِهَذَا الْبَابِ. وَاللَّهُ الْمُثَبِّتُ عَلَى الصَّوَابِ.
[حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التَّمِيمِيُّ ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُرَابِطِ، حَدَّثَنَا الْمُهَلَّبُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ، حَدَّثَنَا الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ]، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَهُوَ يُؤْكَلُ. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَهُ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصَى، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا التَّسْبِيحَ، ثُمَّ صَبَّهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ فِي أَيْدِينَا فَمَا سَبَّحْنَ. وَرَوَى مِثْلَهُ أَبُو ذَرٍّ، وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ سَبَّحْنَ فِي كَفِّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ عَلِيٌّ: كُنَّا بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ نَوَاحِيهَا مَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرَةٌ، وَلَا جَبَلٌ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ». قِيلَ: إِنَّهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ. وَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «لَمَّا اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرِّسَالَةِ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِحَجَرٍ، وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ». وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِحَجَرٍ، وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ ، إِذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى بَنِيهِ، بِمُلَاءَةٍ، وَدَعَا لَهُمْ بِالسَّتْرِ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِهِ إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِهِ، فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ، وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ: آمِينَ آمِينَ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِطَبَقٍ فِيهِ رُمَّانٌ، وَعِنَبٌ فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَّحَ. وَعَنْ أَنَسٍ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ أُحُدًا، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ». وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِرَاءٍ، وَزَادَ: مَعَهُ عَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَقَالَ: «فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ». وَالْخَبَرُ فِي حِرَاءٍ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَا فِيهِمْ. وَزَادَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدًا ، قَالَ: وَنَسِيتُ الِاثْنَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَيْضًا مِثْلُهُ، وَزَادَ عَشَرَةً، وَزَادَ نَفْسَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ حِينَ طَلَبَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ لَهُ ثَبِيرٌ: اهْبِطْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ عَلَى ظَهْرِي فَيُعَذِّبُنِي اللَّهُ. فَقَالَ حِرَاءٌ: إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الْأَنْعَامِ: 91]، ثُمَّ قَالَ: «يُمَجِّدُ الْجَبَّارُ نَفْسَهُ، يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ»، فَرَجَفَ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ عَنْهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ مُثَبَّتَةُ الْأَرْجُلِ بِالرَّصَاصِ فِي الْحِجَارَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ عَامَ الْفَتْحِ جَعَلَ يُشِيرُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ إِلَيْهَا، وَلَا يَمَسُّهَا، وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الْإِسْرَاءِ: 81] الْآيَةَ. فَمَا أَشَارَ إِلَى وَجْهِ صَنَمٍ إِلَّا وَقَعَ لِقَفَاهُ، وَلَا لِقَفَاهُ إِلَّا وَقَعَ لِوَجْهِهِ، حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهَا صَنَمٌ. وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ: فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُهُ مَعَ الرَّاهِبِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ، إِذْ خَرَجَ تَاجِرًا مَعَ عَمِّهِ، وَكَانَ الرَّاهِبُ لَا يَخْرُجُ لِأَحَدٍ، فَخَرَجَ يَتَخَلَّلُهُمْ، حَتَّى أَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ، وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا لَهُ، وَلَا تَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ... وَذَكَرَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَقْبَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظَلِّلُهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ، وَجَدَهُمْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ الْفَيْءُ إِلَيْهِ.
[حَدَّثَنَا سِرَاجُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْقَاضِي يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الصَّقَلِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ عِنْدَنَا دَاجِنٌ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّ، وَثَبَتَ مَكَانَهُ فَلَمْ يَجِئْ، وَلَمْ يَذْهَبْ، وَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ، وَذَهَبَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ قَدْ صَادَ ضَبًّا، فَقَالَ، مَا هَذَا؟ قَالُوا: نَبِيُّ اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ، وَالْعُزَّى، لَا آمَنْتُ بِكَ أَوْ يُؤْمِنُ هَذَا الضَّبُّ، وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ضَبُّ» فَأَجَابَهُ بِلِسَانٍ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنَ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ. قَالَ: «مَنْ تَعْبُدُ؟» قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ، وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ، وَفِي النَّارِ عِقَابُهُ. قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَخَابَ مَنْ كَذَّبَكَ. فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ. وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ كَلَامِ الذِّئْبِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : بَيْنَا رَاعٍ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ عَرَضَ الذِّئْبُ لِشَاةٍ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا الرَّاعِي مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ، وَقَالَ لِلرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ! حُلْتَ بَيْنِي، وَبَيْنَ رِزْقِي! قَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ. فَأَتَى الرَّاعِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ فَحَدِّثْهُمْ» ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ قِصَّةٌ، وَفِي بَعْضِهِ طُولٌ. وَرُوِيَ حَدِيثُ الذِّئْبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَنْتَ أَعْجَبُ! وَاقِفًا عَلَى غَنَمِكَ، وَتَرَكَتْ نَبِيًّا لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ عِنْدَهُ قَدْرًا، قَدْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَأَشْرَفَ أَهْلُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، يَنْظُرُونَ قِتَالَهُمْ، وَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِلَّا هَذَا الشِّعْبُ، فَتَصِيرُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ. قَالَ الرَّاعِي: مَنْ لِي بِغَنَمِي؟ قَالَ الذِّئْبُ: أَنَا أَرْعَاهَا حَتَّى تَرْجِعَ. فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ غَنَمَهُ، وَمَضَى. وَذَكَرَ قِصَّتَهُ، وَإِسْلَامَهُ، وَوُجُودَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُدْ إِلَى غَنَمِكَ تَجِدْهَا بِوَفْرِهَا». فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ، وَذَبَحَ لِلذِّئْبِ شَاةً مِنْهَا. وَعَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ: وَأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ، وَالْمُحَدِّثَ بِهَا، وَمُكَلِّمَ الذِّئْبِ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ: وَأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا، وَسَبَبُ إِسْلَامِهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، مَعَ ذِئْبٍ وَجَدَاهُ أَخَذَ ظَبْيًا، فَدَخَلَ الظَّبْيُ الْحَرَمَ، فَانْصَرَفَ الذِّئْبُ، فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَتَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّاتِ، وَالْعُزَّى، لَئِنْ ذَكَرْتَ هَذَا بِمَكَّةَ لَتَتْرُكَنَّهَا خُلُوفًا وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ جَرَى لِأَبِي جَهْلٍ، وَأَصْحَابِهِ. وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ لَمَّا تَعَجَّبَ مِنْ كَلَامِ ضِمَارٍ صَنَمِهِ، وَإِنْشَادِهِ الشِّعْرَ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا طَائِرٌ سَقَطَ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، أَتَعْجَبُ مِنْ كَلَامِ ضِمَارٍ، وَلَا تَعْجَبُ مِنْ نَفْسِكَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَكَانَ سَبَبَ إِسْلَامِهِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنْ رَجُلٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمَنَ بِهِ، وَهُوَ عَلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَكَانَ فِي غَنَمٍ يَرْعَاهَا لَهُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِالْغَنَمِ؟ قَالَ: «أَحْصِبْ وُجُوهَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ، وَيَرُدُّهَا إِلَى أَهْلِهَا». فَفَعَلَ، فَسَارَتْ كُلُّ شَاةٍ حَتَّى دَخَلَتْ إِلَى أَهْلِهَا. وَعَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطَ أَنْصَارِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَفِي الْحَائِطِ غَنَمٌ فَسَجَدَتْ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْهَا... الْحَدِيثَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا، فَجَاءَ بِعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَمِثْلُهُ فِي الْجَمَلِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: وَكَانَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْحَائِطَ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ الْجَمَلُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ، فَوَضَعَ مِشْفَرَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَخَطَمَهُ، وَقَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ شَيْءٌ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ». وَمِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. وَفِي خَبَرٍ آخَرَ فِي حَدِيثِ الْجَمَلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُمْ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا ذَبْحَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ، وَقِلَّةَ الْعَلَفِ». وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكُمْ أَرَدْتُمْ ذَبْحَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْمَلْتُمُوهُ فِي شَاقِّ الْعَمَلِ مِنْ صِغَرِهِ» فَقَالُوا: نَعَمْ. وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْعَضْبَاءِ، وَكَلَامِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْرِيفِهَا لَهُ بِنَفْسِهَا، وَمُبَادَرَةِ الْعُشْبِ إِلَيْهَا فِي الرَّعْيِ، وَتَجَنُّبِ الْوُحُوشِ عَنْهَا، وَنِدَائِهِمْ لَهَا: إِنَّكِ لِمُحَمَّدٍ، وَإِنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى مَاتَتْ. ذَكَرَهُ الْإِسْفَرَائِينِيُّ . وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ أَظَلَّتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِهَا، فَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ لَيْلَةَ الْغَارِ شَجَرَةً، فَثَبَتَتْ تُجَاهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ حَمَامَتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَإِنَّ الْعَنْكَبُوتَ نَسَجَتْ عَلَى بَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى الطَّالِبُونَ لَهُ، وَرَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: لَوْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ لَمْ تَكُنِ الْحَمَامَتَانِ بِبَابِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، فَانْصَرَفُوا». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ: قُرِّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ، لِيَنْحَرَهَا يَوْمَ عِيدٍ، فَازْدَلَفْنَ إِلَيْهِ بِأَيِّهِنَّ يَبْدَأُ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحْرَاءَ، فَنَادَتْهُ ظَبْيَةٌ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا حَاجَتُكِ؟» قَالَتْ: صَادَنِي هَذَا الْأَعْرَابِيُّ، وَلِي خِشْفَانِ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَأَطْلِقْنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَهُمَا، وَأَرْجِعَ. قَالَ: «أَوَتَفْعَلِينَ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَطْلَقَهَا، فَذَهَبَتْ، وَرَجَعَتْ، فَأَوْثَقَهَا، فَانْتَبَهَ الْأَعْرَابِيُّ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: «تُطْلِقُ هَذِهِ الظَّبْيَةَ» فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو فِي الصَّحْرَاءِ، وَتَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ مِنْ تَسْخِيرِ الْأَسَدِ لِسَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ وَجَّهَهُ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فَلَقِيَ الْأَسَدَ فَعَرَفَهُ أَنَّهُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ كِتَابُهُ، فَهَمْهَمَ، وَتَنَحَّى عَنِ الطَّرِيقِ، وَذَكَرَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ سَفِينَةً تَكَسَّرَتْ بِهِ، فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَإِذَا الْأَسَدُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَغْمِزُنِي بِمَنْكِبِهِ حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ. وَأَخَذَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُذُنِ شَاةٍ لِقَوْمٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بَيْنَ إِصْبُعِهِ، ثُمَّ خَلَّاهَا فَصَارَ لَهَا مِيسَمًا، وَبَقِيَ ذَلِكَ الْأَثَرُ فِيهَا، وَفِي نَسْلِهَا بَعْدُ. وَمَا رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ بِسَنَدِهِ مِنْ كَلَامِ الْحِمَارِ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ، وَقَالَ لَهُ: اسْمِي يَزِيدُ بْنُ شِهَابٍ. فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُورًا، وَأَنَّهُ كَانَ يُوَجِّهُهُ إِلَى دُورِ أَصْحَابِهِ، فَيَضْرِبُ عَلَيْهِمُ الْبَابَ بِرَأْسِهِ، وَيَسْتَدْعِيهِمْ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ جَزَعًا، وَحُزْنًا، فَمَاتَ. وَحَدِيثُ النَّاقَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ مَا سَرَقَهَا، وَأَنَّهَا مِلْكُهُ. وَفِي الْعَنْزِ: الَّتِي أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَسْكَرِهِ، وَقَدْ أَصَابَهُمْ عَطَشٌ، وَنَزَلُوا عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، وَهُمْ زُهَاءُ ثَلَاثِمِائَةٍ، فَحَلَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْوَى الْجُنْدَ، ثُمَّ قَالَ لِرَافِعٍ: «امْلِكْهَا، وَمَا أَرَاكَ» فَرَبَطَهَا فَوَجَدَهَا قَدِ انْطَلَقَتْ. رَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ، وَغَيْرُهُ. وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بِهَا». وَقَالَ لِفَرَسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ: «لَا تَبْرَحْ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ حَتَّى نَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِنَا»، وَجَعَلَهُ قِبْلَتَهُ، فَمَا حَرَّكَ عُضْوًا حَتَّى صَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَ رُسُلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ، فَخَرَجَ سِتَّةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَأَصْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ. وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ، وَقَدْ جِئْنَا مِنْهُ بِالْمَشْهُورِ، وَمَا وَقَعَ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التَّمِيمِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ سَمَاعًا، وَإِذْنًا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّمَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ». فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ. وَقَالَ لِلْيَهُودِيَّةِ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟» قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ. قَالَ: «فَأَمَرَ بِهَا فَقُتِلَتْ». وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَنَسٌ وَفِيهِ: قَالَتْ: أَرَدْتُ قَتْلَكَ. فَقَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ». فَقَالُوا: نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَهْبٍ، قَالَ: فَمَا عَرَضَ لَهَا. وَرَوَاهُ أَيْضًا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ: «أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ الذِّرَاعُ» قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: «أَنَّ فَخِذَهَا تُكَلِّمُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: إِنِّي مَسْمُومَةٌ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْخَبَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَقَالَ فِيهِ: فَتَجَاوَزَ عَنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادُّنِي، فَالْآنَ أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي». وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ : إِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ دَفَعَهَا لِأَوْلِيَاءِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَقَتَلُوهَا. وَكَذَلِكَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي قَتْلِهِ لِلَّذِي سَحَرَهُ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَعَفْوُهُ عَنْهُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَرَوَى الْحَدِيثَ الْبَزَّارُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَبَسَطَ يَدَهُ، وَقَالَ: «كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ»، فَأَكَلْنَا، وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلَمْ تَضُرَّ مِنَّا أَحَدًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ : وَقَدْ خَرَّجَ حَدِيثَ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ أَهْلُ الصَّحِيحِ، وَخَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ. وَاخْتَلَفَ أَئِمَّةُ النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ، أَوِ الْحَجَرِ، أَوِ الشَّجَرِ، وَحُرُوفٌ، وَأَصْوَاتٌ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهَا وَيُسْمِعُهَا مِنْهَا دُونَ تَغْيِيرِ أَشْكَالِهَا، وَنَقْلِهَا عَنْ هَيْئَتِهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَآخَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى إِيجَادِ الْحَيَاةِ بِهَا أَوَّلًا، ثُمَّ الْكَلَامِ بَعْدَهُ. وَحُكِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ، وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِذْ لَمْ نَجْعَلِ الْحَيَاةَ شَرْطًا لِوُجُودِ الْحُرُوفِ، وَالْأَصْوَاتِ، إِذْ لَا يَسْتَحِيلُ وَجُودُهَا مَعَ عَدَمِ الْحَيَاةِ بِمُجَرَّدِهَا. فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْحَيَاةِ لَهَا، إِذْ لَا يُوجَدُ كَلَامُ النَّفْسِ إِلَّا مِنْ حَيٍّ، خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مُتَكَلِّمِي الْفِرَقِ فِي إِحَالَةِ وُجُودِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ، وَالْحُرُوفِ، وَالْأَصْوَاتِ إِلَّا مِنْ حَيٍّ مُرَكَّبٍ عَلَى تَرْكِيبِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ، وَالْأَصْوَاتِ. وَالْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْحَصَى، وَالْجِذْعِ، وَالذِّرَاعِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِيهَا حَيَاةً، وَخَرَقَ لَهَا فَمًا، وَلِسَانًا، وَآلَةً أَمْكَنَهَا بِهَا مِنَ الْكَلَامِ. وَهَذَا لَوْ كَانَ لَكَانَ نَقْلُهُ، وَالتَّهَمُّمُ بِهِ آكَدُ مِنَ التَّهَمُّمِ بِنَقْلِ تَسْبِيحِهِ، أَوْ حَنِينِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ، وَالرِّوَايَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ دَعْوَاهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ فِي النَّظَرِ، وَالْمُوَفِّقُ اللَّهُ. وَرَوَى وَكِيعٌ رَفْعَهُ عَنْ فَهْدِ بْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟» فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَرِّضِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا، جِيءَ بِصَبِيٍّ يَوْمَ وُلِدَ... فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَهُوَ حَدِيثُ مُبَارَكِ الْيَمَامَةِ، وَيُعْرَفُ بِحَدِيثِ شَاصُونَةَ: اسْمُ رَاوِيهِ، وَفِيهِ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ». ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا حَتَّى شَبَّ، فَكَانَ يُسَمَّى مُبَارَكَ الْيَمَامَةِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ طَرَحَ بُنَيَّةً لَهُ فِي وَادِي كَذَا، فَانْطَلَقَ مَعَهُ إِلَى الْوَادِي، وَنَادَاهَا بِاسْمِهَا: «يَا فُلَانَةُ، أَجِيبِي بِإِذْنِ اللَّهِ» فَخَرَجَتْ، وَهِيَ تَقُولُ: لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ! فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ أَبَوَيْكِ قَدْ أَسْلَمَا، فَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أَرُدَّكِ عَلَيْهِمَا؟» قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، وَجَدْتُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْهُمَا. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ تُوُفِّيَ وَلَهُ أُمٌّ عَجُوزٌ عَمْيَاءُ، فَسَجَّيْنَاهُ، وَعَزَّيْنَاهَا، فَقَالَتْ: مَاتَ ابْنِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي هَاجَرْتُ إِلَيْكَ، وَإِلَى نَبِيِّكَ رَجَاءَ أَنْ تُعِينَنِي عَلَى كُلِّ شِدَّةٍ فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ. فَمَا بَرِحْنَا أَنْ كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَطَعِمَ، وَطَعِمْنَا. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: كُنْتُ فِيمَنْ دَفَنَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ، فَسَمِعْنَاهُ حِينَ أَدْخَلْنَاهُ الْقَبْرَ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عُمَرُ الشَّهِيدُ، عُثْمَانُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ. وَذَكَرَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ خَرَّ مَيِّتًا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ، فَرُفِعَ، وَسُجِّيَ إِذْ سَمِعُوهُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَالنِّسَاءُ يَصْرُخْنَ حَوْلَهُ يَقُولُ: أَنْصِتُوا، أَنْصِتُوا، فَحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ صَدَقَ، صَدَقَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ.
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُشَرَّفٍ فِيمَا أَجَازَنِيهِ، وَقَرَأْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْحَبَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْوَرْدِ ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنِ ابْنِ هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ]، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَجَمَاعَةٌ ذَكَرَهُمْ بِقَضِيَّةِ أُحُدٍ بِطُولِهَا، قَالَ: وَقَالُوا: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ لَا نَصْلَ لَهُ، فَيَقُولُ: «ارْمِ بِهِ»، وَقَدْ رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ، وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ يَعْنِي ابْنَ النُّعْمَانِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ. وَرَوَى قِصَّةَ قَتَادَةَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ. وَرَوَاهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ. وَبَصَقَ عَلَى أَثَرِ سَهْمٍ فِي وَجْهِ أَبِي قَتَادَةَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ، وَلَا قَاحَ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي. قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ: ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ». قَالَ: فَرَجَعَ، وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْ بَصَرِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مُلَاعِبِ الْأَسِنَّةِ أَصَابَهُ اسْتِسْقَاءٌ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَثْوَةً مِنَ الْأَرْضِ، فَتَفَلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا رَسُولَهُ، فَأَخَذَهَا مُتَعَجِّبًا، يَرَى أَنَّهُ قَدْ هُزِئَ بِهِ، فَأَتَاهُ بِهَا، وَهُوَ عَلَى شَفَا، فَشَرِبَهَا، فَشَفَاهُ اللَّهُ. وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ فُدَيْكٍ، وَيُقَالُ: فُرَيْكٍ، أَنَّ أَبَاهُ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ، فَكَانَ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا، فَنَفَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، فَأَبْصَرَ، فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ. وَرُمِيَ كُلْثُومُ بْنُ الْحُصَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ فِي نَحْرِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَرَأَ. وَتَفَلَ عَلَى شَجَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلَمْ تُمِدَّ. وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا، فَأَصْبَحَ بَارِئًا. وَنَفَثَ عَلَى ضَرْبَةٍ بِسَاقِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَبَرِئَتْ، وَفِي رِجْلِ زَيْدِ بْنِ مُعَاذٍ حِينَ أَصَابَهَا السَّيْفُ إِلَى الْكَعْبِ، حِينَ قَتَلَ ابْنَ الْأَشْرَفِ، فَبَرِئَتْ. وَعَلَى سَاقِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إِذِ انْكَسَرَتْ، فَبَرِئَ مَكَانَهُ وَمَا نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ. وَاشْتَكَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَجَعَلَ يَدْعُو، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اشْفِهِ، أَوْ عَافِهِ» ثُمَّ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، فَمَا اشْتَكَى ذَلِكَ الْوَجَعَ بَعْدُ. وَقَطَعَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ يَدَ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، فَجَاءَ يَحْمِلُ يَدَهُ، فَبَصَقَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَلْصَقَهَا فَلَصِقَتْ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَمِنْ رِوَايَتِهِ أَيْضًا أَنَّ خُبَيْبَ بْنَ يَسَافٍ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبَةٍ عَلَى عَاتِقِهِ حَتَّى مَالَ شِقُّهُ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ حَتَّى صَحَّ. وَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، مَعَهَا صَبِيٌّ بِهِ بَلَاءٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهُ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَأَمَرَهَا بِسَقْيِهِ، وَمَسِّهِ بِهِ، فَبَرَأَ الْغُلَامُ، وَعَقَلَ عَقْلًا يَفْضُلُ عُقُولَ النَّاسِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جُنُونٌ، فَمَسَحَ صَدْرَهُ، فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الْأَسْوَدِ، فَسَعَى. وَانْكَفَأَتِ الْقِدْرُ عَلَى ذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، وَهُوَ طِفْلٌ، فَمَسَحَ عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، وَتَفَلَ فِيهِ فَبَرَأَ لِحِينِهِ. وَكَانَتْ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيِّ سَلْعَةً تَمْنَعُهُ الْقَبْضَ عَلَى السَّيْفِ، وَعِنَانِ الدَّابَّةِ، فَشَكَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يَطْحَنُهَا بِكَفِّهِ حَتَّى رَفَعَهَا، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ. وَسَأَلَتْهُ جَارِيَةٌ طَعَامًا، وَهُوَ يَأْكُلُ، فَنَاوَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَكَانَتْ قَلِيلَةَ الْحَيَاءِ، فَقَالَتْ إِنَّمَا أُرِيدُ مِنَ الَّذِي فِي فِيكَ، فَنَاوَلَهَا مَا فِي فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعُهُ. فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِهَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَمْ تَكُنِ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْهَا.
وَإِجَابَةُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمَاعَةٍ بِمَا دَعَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ مُتَوَاتِرٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، مَعْلُومٌ ضَرُورَةً. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا لِرَجُلٍ أَدْرَكَتِ الدَّعْوَةُ وَلَدَهُ، وَوَلَدَ وَلَدِهِ. [حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَتَّابِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَاتِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ]، عَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ. قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا آتَيْتَهُ». وَمِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي، وَوَلَدَ وَلَدِي لَيُعَادُّونُ الْيَوْمَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَصَابَ مِنْ رَخَاءِ الْعَيْشِ مَا أَصَبْتُ، وَلَقَدْ دَفَنْتُ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ مِائَةً مِنْ وَلَدِي، لَا أَقُولُ سَقْطًا، وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ. وَمِنْهُ دُعَاؤُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ ذَهَبًا، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَاتَ فَحُفِرَ الذَّهَبُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِالْفُئُوسِ حَتَّى مَجَلَتْ فِيهِ الْأَيْدِي، وَأَخَذَتْ كُلُّ زَوْجَةٍ ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكُنَّ أَرْبَعًا، وَقِيلَ مِائَةُ أَلْفٍ، وَقِيلَ: بَلْ صُولِحَتْ إِحْدَاهُنَّ، لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ عَلَى نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا، وَأَوْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفًا بَعْدَ صَدَقَاتِهِ الْفَاشِيَةِ فِي حَيَاتِهِ، وَعَوَارِفِهِ الْعَظِيمَةِ: أَعْتَقَ يَوْمًا ثَلَاثِينَ عَبْدًا، وَتَصَدَّقَ مَرَّةً بِعِيرٍ فِيهَا سَبْعُمِائَةِ بَعِيرٍ، وَرَدَتْ عَلَيْهِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَتَصَدَّقَ بِهَا، وَبِمَا عَلَيْهَا، وَبِأَقْتَابِهَا، وَأَحْلَاسِهَا. وَدَعَا لِمُعَاوِيَةَ بِالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ، فَنَالَ الْخِلَافَةَ. وَلِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنْ يُجِيبَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ، فَمَا دَعَا عَلَى أَحَدٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ. وَدَعَا بِعِزِّ الْإِسْلَامِ بِعُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَوْ بِأَبِي جَهْلٍ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِي عُمَرَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. وَأَصَابَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ عَطَشٌ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ الدُّعَاءَ، فَدَعَا، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَسَقَتْهُمْ حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ أَقْلَعَتْ. وَدَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَسُقُوا، ثُمَّ شَكَوْا إِلَيْهِ الْمَطَرَ، فَدَعَا، فَضَحَوْا. وَقَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: «أَفْلَحَ وَجْهُكَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعْرِهِ، وَبَشَرِهِ»، فَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَكَأَنَّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ لِلنَّابِغَةِ: «لَا يَفْضِضُ اللَّهُ فَاكَ» فَمَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ ثَغْرًا، إِذَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ نَبَتَتْ لَهُ أُخْرَى، وَعَاشَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَقِيلَ: أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَدَعَا لِابْنِ عَبَّاسٍ : «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» فَسُمِّيَ بَعْدُ الْحَبْرَ، وَتَرْجُمَانَ الْقُرْآنِ. وَدَعَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بِالْبَرَكَةِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، فَمَا اشْتَرَى شَيْئًا إِلَّا رَبِحَ فِيهِ. وَدَعَا لِلْمِقْدَادِ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ غَرَائِرُ الْمَالِ. وَدَعَا بِمِثْلِهِ لِعُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، فَقَالَ: فَلَقَدْ كُنْتُ أَقُومُ بِالْكُنَاسَةِ، فَمَا أَرْجِعُ حَتَّى أَرْبَحَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثٍ: فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ. وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا لِغَرْقَدَةَ أَيْضًا. وَنَدَّتْ لَهُ نَاقَةٌ، فَدَعَا فَجَاءَهُ بِهَا إِعْصَارُ رِيحٍ، حَتَّى رَدَّهَا عَلَيْهِ. وَدَعَا لِأُمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَسْلَمَتْ. وَدَعَا لَعَلِيٍّ أَنْ يُكْفَى الْحَرَّ، وَالْقُرَّ، فَكَانَ يَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ ثِيَابَ الصَّيْفِ، وَفِي الصَّيْفِ ثِيَابَ الشِّتَاءِ، وَلَا يُصِيبُهُ حَرٌّ، وَلَا بَرْدٌ. وَدَعَا لِفَاطِمَةَ ابْنَتَهُ اللَّهَ أَلَّا يُجِيعَهَا، قَالَتْ: فَمَا جُعْتُ بَعْدُ. وَسَأَلَهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو آيَةً لِقَوْمِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ» فَسَطَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَخَافَ أَنْ يَقُولُوا مُثْلَةٌ، فَتَحَوَّلَ إِلَى طَرَفِ سَوْطِهِ، فَكَانَ يُضِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، فَسُمِّيَ النَّوِرَ. وَدَعَا عَلَى مُضَرَ فَأَقْحَطُوا، حَتَّى اسْتَعْطَفَتْهُ قُرَيْشٌ، فَدَعَا لَهُمْ فَسُقُوا. وَدَعَا عَلَى كِسْرَى حِينَ مَزَّقَ كِتَابَهُ أَنْ يُمَزِّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ، فَلَمْ تَبْقَ لَهُ بَاقِيَةٌ، وَلَا بَقِيَتْ لِفَارِسَ رِيَاسَةٌ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا. وَدَعَا عَلَى صَبِيٍّ قَطَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ أَنْ يَقْطَعَ الِلَّهُ أَثَرَهُ، فَأُقْعِدَ. وَقَالَ لِرَجُلٍ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَقَالَ: «وَلَا اسْتَطَعْتَ» فَلَمْ يَرْفَعْهَا إِلَى فِيهِ. وَقَالَ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَأَكَلَهُ الْأَسَدُ». وَقَالَ لِامْرَأَةٍ: «أَكَلَكِ الْأَسَدُ» فَأَكَلَهَا. وَحَدِيثُهُ الْمَشْهُورُ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فِي دُعَائِهِ عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ وَضَعُوا السَّلَا عَلَى رَقَبَتِهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ مَعَ الْفَرْثِ، وَالدَّمِ، وَسَمَّاهُمْ. وَقَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ. وَدَعَا عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ يَخْتَلِجُ بِوَجْهِهِ، وَيَغْمِزُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ لَا، فَرَآهُ، فَقَالَ: «كَذَلِكَ كُنْ»، فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ إِلَى أَنْ مَاتَ. وَدَعَا عَلَى مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ فَمَاتَ لِسَبْعٍ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ وُرِيَ فَلَفَظَتْهُ مَرَّاتٍ، فَأَلْقَوْهُ بَيْنَ صُدَّيْنِ، وَرَضَمُوا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ. وَالصُّدُّ: جَانِبُ الْوَادِي. وَجَحَدَهُ رَجُلٌ بِبَيْعِ فَرَسٍ، وَهِيَ الَّتِي شَهِدَ فِيهَا خُزَيْمَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ الْفَرَسَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهَا». فَأَصْبَحَتْ شَاصِيَةً بِرِجْلِهَا، أَيْ رَافِعَةً. وَهَذَا الْبَابُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ.
[أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، إِجَازَةً، وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ سَمَاعًا، وَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ : قَالُوا: حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ، أَوْ بِهِ قِطَافٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُبَطَّأُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: «وَجَدْنَا فَرَسَكَ بَحْرًا» فَكَانَ بَعْدُ لَا يُجَارَى. وَنَخَسَ جَمَلَ جَابِرٍ، وَكَانَ قَدْ أَعْيَا، فَنَشَطَ حَتَّى كَانَ مَا يَمْلِكُ زِمَامَهُ. وَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ بِفَرَسٍ لِجُعَيْلٍ الْأَشْجَعِيِّ، خَفَقَهَا بِمِخْفَقَةٍ مَعَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ رَأْسَهَا نَشَاطًا، وَبَاعَ مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَرَكِبَ حِمَارًا قَطُوفًا لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَرَدَّهُ هِمْلَاجًا لَا يُسَايَرُ. وَكَانَتْ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعْرِهِ فِي قَلَنْسُوَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا قِتَالًا إِلَّا رُزِقَ النَّصْرَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ، وَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا. وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْمَأْمُونِ : قَالَ: وَكَانَتْ عِنْدَنَا قَصْعَةٌ مِنْ قِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنَّا نَجْعَلُ فِيهَا الْمَاءَ لِلْمَرْضَى، فَيَسْتَشْفُونَ بِهَا. وَأَخَذَ جَهْجَاهُ الْغِفَارِيُّ الْقَضِيبَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ، فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ، فَأَخَذَتْهُ فِيهَا الْآكِلَةُ فَقَطَعَهَا، وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَسَكَبَ مِنْ فَضْلِ وَضَوْئِهِ فِي بِئْرِ قُبَاءَ فَمَا نَزَفَتْ بَعْدُ. وَبَزَقَ فِي بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِ أَنَسٍ، فَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَعْذَبُ مِنْهَا. وَمَرَّ عَلَى مَاءٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: اسْمُهُ بَيْسَانُ، وَمَاؤُهُ مِلْحٌ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ نُعْمَانُ، وَمَاؤُهُ طَيِّبٌ، فَطَابَ. وَأُتِيَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَمَجَّ فِيهِ، فَصَارَتْ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ. وَأَعْطَى الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ لِسَانَهُ فَمَصَّاهُ، وَكَانَ يَبْكِيَانِ عَطَشًا فَسَكَتَا. وَكَانَ لِأُمِّ مَالِكٍ عُكَّةٌ تَهْدِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا تَعْصِرَهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا يَسْأَلُونَهَا الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَيْهَا، فَتَجِدُ فِيهَا سَمْنًا، فَكَانَتْ تُقِيمُ أُدْمَهَا حَتَّى عَصَرَتْهَا. وَكَانَ يَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ الْمَرَاضِعِ فَيُجْزِئُهُمْ رِيقُهُ إِلَى اللَّيْلِ. وَمِنْ ذَلِكَ بَرَكَةُ يَدِهِ فِيمَا لَمَسَهُ، وَغَرَسَهُ، وَلِسَلْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ كَاتَبَهُ مَوَالِيهِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ وَدِيَّةٍ يَغْرِسُهَا لَهُمْ، كُلُّهَا تَعْلَقُ، وَتُطْعِمُ، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَرَسَهَا لَهُ بِيَدِهِ إِلَّا وَاحِدَةً غَرَسَهَا غَيْرُهُ، فَأَخَذَتْ كُلُّهَا إِلَّا تِلْكَ الْوَاحِدَةَ، فَقَلَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهَا، فَأَخَذَتْ. وَفِي كِتَابِ الْبَزَّارِ : فَأَطْعَمَ النَّخْلُ مِنْ عَامِهِ إِلَّا الْوَاحِدَةَ، فَقَلَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَرَسَهَا فَأَطْعَمَتْ مِنْ عَامِهَا. وَأَعْطَاهُ مِثْلَ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ بَعْدَ أَنْ أَدَارَهَا عَلَى لِسَانِهِ فَوَزَنَ مِنْهَا لِمَوَالِيهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَبَقِيَ عِنْدَهُ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. وَفِي حَدِيثِ حَنَشِ بْنِ عُقَيْلٍ : سَقَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ شَرِبَ أَوَّلَهَا، وَشَرِبْتُ آخِرَهَا، فَمَا بَرِحْتُ أَجِدُ شِبَعَهَا إِذَا جُعْتُ، وَرِيَّهَا إِذَا عَطِشْتُ، وَبَرْدَهَا إِذَا ظَمِئْتُ. وَأَعْطَى قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ، وَصَلَّى مَعَهُ الْعِشَاءَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَطِيرَةٍ عُرْجُونًا، وَقَالَ: «انْطَلِقْ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيُضِيءُ لَكَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ عَشْرًا، وَمِنْ خَلْفِكَ عَشْرًا، فَإِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَتَرَى سَوَادًا فَاضْرِبْهُ حَتَّى يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ الشَّيْطَانُ». فَانْطَلَقَ فَأَضَاءَ لَهُ الْعُرْجُونُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، وَوَجَدَ السَّوَادَ فَضَرَبَهُ حَتَّى خَرَجَ. وَمِنْهَا دَفْعُهُ لِعُكَاشَةَ جِذْلَ حَطَبٍ، وَقَالَ: «اضْرِبْ بِهِ» حِينَ انْكَسَرَ سَيْفُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا صَارِمًا، طَوِيلَ الْقَامَةِ، أَبْيَضَ، شَدِيدَ الْمَتْنِ، فَقَاتَلَ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَوَاقِفَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ. وَكَانَ هَذَا السَّيْفُ يُسَمَّى الْعَوْنَ. وَدَفْعُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ ذَهَبَ سَيْفُهُ عَسِيبَ نَخْلٍ، فَرَجَعَ فِي يَدِهِ سَيْفًا. وَمِنْهُ بَرَكَتُهُ فِي دُرُورِ الشِّيَاهِ الْحَوَائِلِ بِاللَّبَنِ الْكَثِيرِ، كَقِصَّةِ شَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ، وَأَعْنُزِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرٍ، وَشَاةِ أَنَسٍ، وَغَنَمِ حَلِيمَةَ مُرْضِعَتِهِ، وَشَارِفِهَا، وَشَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَتْ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا فَحْلٌ، وَشَاةُ الْمِقْدَادِ. وَمِنْ ذَلِكَ تَزْوِيدُهُ أَصْحَابَهُ سِقَاءَ مَاءٍ بَعْدَ أَنْ أَوْكَاهُ، وَدَعَا فِيهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُمُ الصَّلَاةُ نَزَلُوا فَحَلُّوهُ، فَإِذَا بِهِ لَبَنٌ طَيِّبٌ، وَزُبْدَةٌ فِي فَمِهِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ، وَبَرَّكَ، فَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ، فَمَا شَابَ. وَرُوِيَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصَصِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَمَدْلُوكٍ. وَكَانَ يُوجَدُ لِعُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ طِيبٌ يَغْلِبُ طِيبَ نِسَائِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ، وَظَهْرِهِ. وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْ وَجْهِ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ خَرَجَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَدَعَا لَهُ، فَكَانَتْ لَهُ غُرَّةٌ كَغُرَّةِ الْفَرَسِ. وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ، وَدَعَا لَهُ، فَهَلَكَ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، وَرَأْسُهُ أَبْيَضُ، وَمَوْضِعُ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا مَرَّتْ يَدُهُ عَلَيْهِ مِنْ شَعْرِهِ أَسْوَدُ، كَانَ يُدْعَى الْأَغَرَّ. وَرُوِيَ مِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لِعَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْجُهَنِيِّ. وَمَسَحَ وَجْهَ آخَرَ، فَمَا زَالَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ. وَمَسَحَ وَجْهَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فَكَانَ لِوَجْهِهِ بَرِيقٌ حَتَّى كَانَ يُنْظَرُ فِي وَجْهِهِ كَمَا يُنْظَرُ فِي الْمِرْآةِ. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ حَنْظَلَةَ بْنِ حَزِيمٍ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، فَكَانَ حَنْظَلَةُ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ وَرِمَ وَجْهُهُ، وَالشَّاةُ قَدْ وَرِمَ ضَرْعُهَا، فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ. وَنَضَحَ فِي وَجْهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ نَضْحَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَا يُعْرَفُ كَانَ فِي وَجْهِ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَمَالِ مَا بِهَا. وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ صَبِيٍّ بِهِ عَاهَةٌ، فَبَرَأَ، وَاسْتَوَى شَعْرُهُ، وَعَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى، وَالْمَجَانِينِ، فَبَرِءُوا. وَأَتَاهُ رَجُلٌ بِهِ أُدْرَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْضَحَهَا بِمَاءٍ مِنْ عَيْنٍ مَجَّ فِيهَا، فَفَعَلَ، فَبَرَأَ. وَعَنْ طَاوُسٍ: لَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَدٍ بِهِ مَسٌّ، فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ إِلَّا ذَهَبَ. الْمَسُّ: الْجُنُونُ. وَمَجَّ فِي دَلْوٍ مِنْ بِئْرٍ، ثُمَّ صَبَّ فِيهَا، فَفَاحَ مِنْهَا رِيحُ الْمِسْكِ. وَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَانْصَرَفُوا يَمْسَحُونَ الْقَذَى عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَشَكَا إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- النِّسْيَانَ فَأَمَرَهُ بِبَسْطِ ثَوْبِهِ، وَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِضَمِّهِ، فَفَعَلَ، فَمَا نَسِيَ شَيْئًا بَعْدُ. وَمَا يُرْوَى فِي هَذَا كَثِيرٌ. وَضَرَبَ صَدْرَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَصَارَ مِنْ أَفْرَسِ الْعَرَبِ، وَأَثْبَتِهِمْ. وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَانَ دَمِيمًا، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَفَرَعَ الرِّجَالَ طُولًا، وَتَمَامًا.
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَلَا يَنْزِفُ غَمْرُهُ. وَهَذِهِ الْمُعْجِزَةُ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى الْقَطْعِ الْوَاصِلِ إِلَيْنَا خَبَرُهَا عَلَى التَّوَاتُرِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا، وَاتِّفَاقِ مَعَانِيهَا عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ: [حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفِهْرِيُّ إِجَازَةً، وَقَرَأْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ ، حَدَّثَنَا اللُّؤْلُئِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلِ]، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَعْرِفُهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ : مَا أَدْرِي، أَنَسِيَ أَصْحَابِي أَمْ تَنَاسَوْهُ،، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَصَاعِدًا إِلَّا قَدْ سَمَّاهُ لَنَا بِاسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، وَقَبِيلَتِهِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَقَدْ تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُحَرِّكُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ، إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا. وَقَدْ خَرَّجَ أَهْلُ الصَّحِيحِ، وَالْأَئِمَّةُ مَا أَعْلَمَ بِهِ أَصْحَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّهُورِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْيَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ. وَظُهُورِ الْأَمْنِ حَتَّى تَظْعَنَ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ، لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ. وَإِنَّ الْمَدِينَةَ سَتُغْزَى، وَتُفْتَحُ خَيْبَرُ عَلَى يَدَيْ عَلِيٍّ فِي غَدِ يَوْمِهِ. وَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الدُّنْيَا. وَيُؤْتَوْنَ مِنْ زَهْرَتِهَا. وَقِسْمَتِهِمْ كُنُوزَ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ. وَمَا يَحْدُثُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفُتُونِ، وَالِاخْتِلَافِ، وَالْأَهْوَاءِ. وَسُلُوكِ سَبِيلِ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَافْتِرَاقِهِمْ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، النَّاجِيَةُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ. وَأَنَّهَا سَتَكُونُ لَهُمْ أَنْمَاطٌ، وَيَغْدُو أَحَدُهُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ، وَتُرْفَعُ أُخْرَى، وَيَسْتُرُونَ بُيُوتَهُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ. ثُمَّ قَالَ آخِرَ الْحَدِيثِ: «وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ»، وَإِنَّهُمْ إِذَا مَشَوُا الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَتْهُمْ بَنَاتُ فَارِسَ، وَالرُّومِ رَدَّ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَسَلَّطَ شِرَارَهُمْ عَلَى خِيَارِهِمْ. وَقِتَالِهِمُ الْفُرْسَ، وَالْخَزَرَ، وَالرُّومَ، وَذَهَابِ كِسْرَى، وَفَارِسَ حَتَّى لَا كِسْرَى، وَلَا فَارِسَ بَعْدَهُ، وَذَهَابِ قَيْصَرَ حَتَّى لَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَذَكَرَ أَنَّ الرُّومَ ذَاتُ قُرُونٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ. وَبِذَهَابِ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ مِنَ النَّاسِ، وَتَقَارُبِ الزَّمَانِ، وَقَبْضِ الْعِلْمِ، وَظُهُورِ الْفِتَنِ، وَالْهَرْجِ. وَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ». وَأَنَّهُ زُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ فَأُرِيَ مَشَارِقَهَا، وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِهِ مَا زُوِيَ لَهُ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ كَانَ امْتَدَّتْ فِي الْمَشَارِقِ، وَالْمَغَارِبِ مَا بَيْنَ أَرْضِ الْهِنْدِ أَقْصَى الْمَشْرِقِ إِلَى بَحْرِ طَنْجَةَ حَيْثُ لَا عِمَارَةَ وَرَاءَهُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَمْلُكْهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ، وَلَمْ تَمْتَدَّ فِي الْجَنُوبِ، وَلَا فِي الشَّمَالِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ذَهَبَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ إِلَى أَنَّهُمُ الْعَرَبُ، لِأَنَّهُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالسَّقْيِ بِالْغَرْبِ، وَهِيَ الدَّلْوُ. وَغَيْرُهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ وَرَدَ الْمَغْرِبُ كَذَا فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ، قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ». وَأَخْبَرَ بِمُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَوِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ، وَوَصَّاهُ، وَاتِّخَاذِ بَنِي أُمَيَّةَ مَالَ اللَّهِ دُوَلًا، وَخُرُوجِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ بِالرَّايَاتِ السُّودِ، وَمُلْكِهِمْ أَضْعَافَ مَا مَلَكُوا، وَخُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، وَمَا يَنَالُ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَتَقْتِيلِهِمْ، وَتَشْرِيدِهِمْ، وَقَتْلِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ أَشْقَاهَا الَّذِي يُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَيْ لِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ، وَأَنَّهُ قَسِيمُ النَّارِ، يَدْخُلُ أَوْلِيَاؤُهُ الْجَنَّةَ وَأَعْدَاؤُهُ النَّارَ، فَكَانَ فِيمَنْ عَادَاهُ الْخَوَارِجُ، وَالنَّاصِبَةُ، وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّوَافِضِ كَفَّرُوهُ. وَقَالَ: «يُقْتَلُ عُثْمَانُ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ» وَأَنَّ اللَّهَ عَسَى أَنْ يُلْبِسَهُ قَمِيصًا، وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ خَلْعَهُ، وَأَنَّهُ سَيَقْطُرُ دَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ} [الْبَقَرَةِ: 137]. وَأَنَّ الْفِتَنَ لَا تَظْهَرُ مَا دَامَ عُمَرُ حَيًّا. وَبِمُحَارَبَةِ الزُّبَيْرِ لِعَلِيٍّ، وَبِنُبَاحِ كِلَابِ الْحَوْأَبِ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيرٌ، وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ، فَنَبَحَتْ عَلَى عَائِشَةَ عِنْدَ خُرُوجِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ. وَأَنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: «وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ». وَقَالَ فِي قُزْمَانَ، وَقَدْ أَبْلَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَتَلَ نَفْسَهُ. وَقَالَ فِي جَمَاعَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَحُذَيْفَةُ: «آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ» فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْأَلُ عَنْ بَعْضٍ، فَكَانَ سَمُرَةُ آخِرَهُمْ مَوْتًا، هَرِمَ، وَخَرِفَ، فَاصْطَلَى بِالنَّارِ فَاحْتَرَقَ فِيهَا. وَقَالَ فِي حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ: «سَلُوا زَوْجَتَهُ عَنْهُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ» فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ جُنُبًا، وَأَعْجَلَهُ الْحَالُ عَنِ الْغُسْلِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَوَجَدْنَا رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً. وَقَالَ: «الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ، وَلَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا أَقَامُوا الدِّينَ». وَقَالَ: «يَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ، وَمُبِيرٌ» فَرَأَوْهُمَا: الْحَجَّاجُ، وَالْمُخْتَارُ. وَأَنَّ مُسَيْلِمَةَ يَعْقِرُهُ اللَّهُ. وَأَنَّ فَاطِمَةَ أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ. وَأَنْذَرَ بِالرِّدَّةِ، وَبِأَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا، فَكَانَتْ ذَلِكَ بِمُدَّةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ نُبُوَّةً، وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ رَحْمَةً، وَخِلَافَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا، ثُمَّ يَكُونُ عُتُوًّا، وَجَبَرُوتًا، وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ». وَأَخْبَرَ بِشَأْنِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَبِأُمَرَاءَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَسَيَكُونُ فِي أُمَّتِهِ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا فِيهِمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا، آخِرُهُمُ الدَّجَّالُ الْكَذَّابُ، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَرَسُولِهِ». وَقَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ فِيكُمُ الْعَجَمُ، يَأْكُلُونَ فَيْئَكُمْ، وَيَضْرِبُونَ رِقَابَكُمْ. وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُوقَ النَّاسَ بِعَصَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ». وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ، وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيُخَوَّنُونَ، وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ، وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». وَقَالَ: «لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ». وَقَالَ: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِيهِ: لَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهُمْ لَكُمْ: بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ. وَأَخْبَرَ بِظُهُورِ الْقَدَرِيَّةِ، وَالرَّافِضَةِ. وَسَبِّ آخَرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا. وَقِلَّةِ الْأَنْصَارِ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَتَبَدَّدُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ جَمَاعَةٌ. وَأَنَّهُمْ سَيَلْقَوْنَ بَعْدَهُ أَثَرَةً. وَأَخْبَرَ بِشَأْنِ الْخَوَارِجِ، وَصِفَتِهِمْ، وَالْمُخَدَّجِ الَّذِي فِيهِمْ، وَأَنَّ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ. وَيُرَى رِعَاءُ الْغَنَمِ رُءُوسَ النَّاسِ، وَالْعُرَاةُ الْحُفَاةُ يَتَبَارَوْنَ فِي الْبُنْيَانِ. وَأَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا. وَأَنَّ قُرَيْشًا، وَالْأَحْزَابَ لَا يَغْزُونَهُ أَبَدًا، وَأَنَّهُ هُوَ يَغْزُوهُمْ. وَأَخْبَرَ بِالْمَوْتَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَمَا وَعَدَ مِنْ سُكْنَى الْبَصْرَةِ، وَأَنَّهُمْ يَغْزُونَ فِي الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ.. وَأَنَّ الدِّينَ لَوْ كَانَ مَنُوطًا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ. وَهَاجَتْ رِيحٌ فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: «هَاجَتْ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ» فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَدُوا ذَلِكَ. وَقَالَ لِقَوْمٍ مِنْ جُلَسَائِهِ: «ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ الْقَوْمُ يَعْنِي مَاتُوا، وَبَقِيتُ أَنَا، وَرَجُلٌ، فَقُتِلَ مُرْتَدًّا يَوْمَ الْيَمَامَةِ. وَأَعْلَمَ بِالَّذِي غَلَّ خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ، فَوُجِدَتْ فِي رَحْلِهِ. وَبِالَّذِي غَلَّ الشَّمْلَةَ، وَحَيْثُ هِيَ. وَنَاقَتِهِ حِينَ ضَلَّتْ، وَكَيْفَ تَعَلَّقَتْ بِالشَّجَرَةِ بِخِطَامِهَا. وَبِشَأْنِ كِتَابِ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. وَبِقَضِيَّةِ عُمَيْرٍ مَعَ صَفْوَانَ حِينَ سَارَّهُ، وَشَارَطَهُ عَلَى قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا جَاءَ عُمَيْرٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاصِدًا لِقَتْلِهِ، وَأَطْلَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَمْرِ، وَالسِّرِّ أَسْلَمَ. وَأَخْبَرَ بِالْمَالِ الَّذِي تَرَكَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ بَعْدَ أَنْ كَتَمَهُ. فَقَالَ: مَا عَلِمَهُ غَيْرِي، وَغَيْرُهَا، فَأَسْلَمَ. وَأَعْلَمَ بِأَنَّهُ سَيَقْتُلُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ. وَفِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ» أَنَّهُ يَأْكُلُهُ كَلْبُ اللَّهِ». وَعَنْ مَصَارِعِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ فِي الْحَسَنِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ». وَلِسَعْدٍ: «لَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيَسْتَضِرَّ بِكَ آخَرُونَ». وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ أَهْلِ مُؤْتَةَ يَوْمَ قُتِلُوا، وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَوْ أَزْيَدُ. وَبِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ يَوْمَ مَاتَ، وَهُوَ بِأَرْضِهِ. وَأَخْبَرَ فَيْرُوزَ إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ رَسُولًا مِنْ كِسْرَى بِمَوْتِ كِسْرَى ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَمَّا حَقَّقَ فَيْرُوزُ الْقِصَّةَ أَسْلَمَ. وَأَخْبَرَ أَبَا ذَرٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِتَطْرِيدِهِ كَمَا كَانَ وَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا، فَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ؟» قَالَ: أَسْكُنُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ: «فَإِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ..». الْحَدِيثَ. وَبِعَيْشِهِ، وَحْدَهُ، وَمَوْتِهِ وَحْدَهُ. وَأَخْبَرَ أَنَّ أَسْرَعَ أَزْوَاجِهِ بِهِ لُحُوقًا أَطُولُهُنَّ يَدًا، فَكَانَتْ زَيْنَبَ لِطُولِ يَدِهَا بِالصَّدَقَةِ. وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بِالطَّفِّ، وَأَخْرَجَ بِيَدِهِ تُرْبَةً، وَقَالَ: «فِيهَا مَضْجَعُهُ». وَقَالَ فِي زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ: «يَسْبِقُهُ عُضْوٌ مِنْهُ إِلَى الْجَنَّةِ» فَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْجِهَادِ. وَقَالَ فِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَلَى حِرَاءٍ: اثْبُتْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدٌ، فَقُتِلَ عَلِيٌّ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَطُعِنَ سَعْدٌ. وَقَالَ لِسُرَاقَةَ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُلْبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟» فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمَا عُمَرُ أَلْبَسَهُمَا إِيَّاهُ، وَقَالَ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى، وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ. وَقَالَ: «تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ، وَدُجَيْلٍ، وَقُطْرُبُلَّ، وَالصَّرَاةِ، تُجْبَى إِلَيْهَا خَزَائِنُ الْأَرْضِ، يُخْسَفُ بِهَا» يَعْنِي بَغْدَادَ. وَقَالَ: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْوَلِيدُ، هُوَ شَرٌّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ». وَقَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ». وَقَالَ لِعُمَرَ فِي سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو: «عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا يَسُرُّكَ يَا عُمَرُ!» فَكَانَ كَذَلِكَ، قَامَ بِمَكَّةَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَلَغَهُمْ مَوْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَطَبَ بِنَحْوِ خُطْبَتِهِ، وَثَبَّتَهُمْ، وَقَوَّى بَصَائِرَهُمْ. وَقَالَ لِخَالِدٍ حِينَ وَجَّهَهُ لِأُكَيْدِرَ: «إِنَّكَ تَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ» فَوُجِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ جُلَسَاءَهُ مِنْ أَسْرَارِهِمْ، وَبَوَاطِنِهِمْ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ، وَكُفْرِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ فِيهِ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ لَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اسْكُتْ، فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ لَأَخْبَرَتْهُ حِجَارَةُ الْبَطْحَاءِ. وَإِعْلَامُهُ بِصِفَةِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَهُ بِهِ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، وَكَوْنِهِ فِي مُشْطٍ، وَمُشَاقَةٍ، فِي جُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، وَأَنَّهُ أُلْقِيَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَوُجِدَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ. وَإِعْلَامُهُ قُرَيْشًا تَأْكُلُ الْأَرَضَةُ مَا فِي صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي تَظَاهَرُوا بِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَقَطَعُوا بِهَا رَحِمَهُمْ، وَأَنَّهَا أَبْقَتْ فِيهَا كُلَّ اسْمٍ لِلَّهِ، فَوَجَدُوهَا كَمَا قَالَ. وَوَصْفُهُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كَذَّبُوهُ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ، وَنَعْتُهُ إِيَّاهُ نَعْتَ مَنْ عَرَفَهُ. وَأَعْلَمَهُمْ بِعِيرِهِمُ الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ، وَأَنْذَرَهُمْ بِوَقْتِ وُصُولِهَا، فَكَانَ كُلُّهُ كَمَا قَالَ. إِلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَكُونُ، وَلَمْ تَأْتِ بَعْدُ، مِنْهَا مَا ظَهَرَتْ مُقَدِّمَاتُهَا، كَقَوْلِهِ: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ». وَمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَآيَاتِ حُلُولِهَا، وَذِكْرِ النَّشْرِ، وَالْحَشْرِ، وَأَخْبَارِ الْأَبْرَارِ، وَالْفُجَّارِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَعَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ. وَبِحَسْبِ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يَكُونَ دِيوَانًا مُفْرَدًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْزَاءٍ وَحْدَهُ، وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ نُكَتِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كِفَايَةٌ، وَأَكْثَرُهَا فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ.
|